السبت، 4 أبريل 2009

وحشةٌ بين الأطفال ..!


وحشةٌ بين الأطفال ..!


سقطت بعد لحظات من الخوف .. هامت في عالم ضيق .. أصبحت تلازم الدموع ولا تفارقها ..
بنيتي غداً موعدنا مع الطبيب .. الساعة الثامنة صباحاً لذلك لا أعتقد بأنك ستذهبين إلى المدرسة ..
امم ناظرت والدتها وبصمت مؤلم قالتها : حسناً ..
ما كان لها إلا أن تحتضن فراشها الوردي بشدة .. دار حوار بينها وبين تلك الوسادة ..
ما ذنبي حتى يقال بأني أشبه الوحوش ..؟! موقفي مع تلك الطفلة أفجع قلبي الصغير .. لم أتجاوز الثامنة ويقال عني هكذا .. !
كم أشتاق إلى أسناني التي سقطت إلى الابتسامة .. إلى الضحك .. إلى تقطيع الجزر .. إلى طعم الحلوى ..
لا أستطيع نسيان ذلك اليوم .. لا أستطيع ..
خرجت كعادتي إلى اللعب مع صديقاتي .. في الساحة المقابلة للمأتم كنا نلعب .. نضحك .. وما حصل أضاع مني بسمتي لمدة عاميين كاملين قضيتهما ما بين المستشفى والعيادات ..
الساعة التي كان يشير عقربها إلى الثالثة والنصف كانت تنتظر مني الخروج .. وبأمرها خرجت .. بدأنا كالعادة اللعب .. حتى أصبحنا نلهو بجنون .. بين ضحك زينب .. وصرخة فاطمة .. ومزاح حوراء ... الساحة التي تحتضن نخلتين امتازتا بطولها كانت ملجأنا الوحيد في اللعب .. زماننا كان يشير لنا بشيء ما ها هو الآن يتجدد .. ولكن بلا لعب .. بلا حوراء ولا زهراء ولا حتى فاطمة ..
شيء ما أكبر من كل هذا ( وَطننا يحتضر)!
النساء لهن كلمة واحدة (أعني أمهاتنا) : احذرن الشغب..
وهذا ما حصل تماماً لكن المزاح يلعب دورا خطراً علينا ..
الحكاية بدأت من هنا ..
( من الي بصيدني ؟! ) ..( انخشت مناك ) .. ( صدناها ) .. (وين هي ؟) .. (اكو الشغب جايين .. تعالوا بندخل الماتم .. اركضوا بنات .. بسرعة أم حسين ما ترضى ) ..
جميعا هرعن إلى المأتم إلا أنا وحوراء التي أخذت تسرعُ في الجري إلى باب المأتم .. وأنا أخذت ألملم لُعبي التي لا أستطيع التخليّ عنها ..
وما إن رأيتهم يقتربون بسياراتهم منا حاولت الإسراع .. أخذت أركض بجنون .. لكن لا جدوى .. كان القدر أقرب ....
اصطدمت بتلك السيارة المسرعة .. فوقعت على الأرض .. هذا ما أتذكره تماماً .. غرقت في دمي .. ورأيت نساء القرية ورجالها حولي .. لم أشعر بالألم في بادئ الأمر ولم أشعر أيضاً بسقوط بعض أسناني سمعت أم حسين وهي إحدى القائمات على المأتم بالقرية تقول ( بتموت .. شيلوها ... حسبي الله على إلي كان السبب) ..

هذا ما جمعته ذاكرتي عن ذلك اليوم وربما تناست بعضاً منه .. لكنني لم أدرك عُظم مصابي .. فالطفلة ذات الثامنة لم تسقط أسنانها فقط .. بل انحشرت إلى الداخل لتظهر الجذور .. حتى انتفاخ الوجه وخصوصاً منطقة الفم بأكمله .. ولم تستمر معاناتي إلى هذا الحد ... فلم تتوقف عند يومين .. ولا أسبوع ولا حتى شهر .. بل لعاميين متتاليين .. فأصبح وجهي الطفولي ولعاميين أشبه بالوحوش ..

نظرات الناس وخوف الأطفال .. وشفقة الكبار كانت تؤلمني أكثر من أي شيء .. ما زالت توجعني ذكرى ذلك الحادث عندما أتذكر تلك الطفلة التي اختبأت وراء والدتها .. وقالت بصوت عالي كانت تحسبه لا يُسمع .. ( ماما تخوف .. ليش وجها منتفخ كأنها وحش؟)
والدتها التي ضربتها لتسكتها لم تستطع إخفاء خجلها من والدتي .. أما أنا فأخذت بنفسي أبكي وأبكي .. صرتُ أشبه بالوحوش وما ذنبي ..؟!
لم يكن السبب لعبي .. ولا صديقاتي ولا حتى تلك السيارة وصاحبها .. بل كان الذنب ذنب من لا ضمير له .. قتلوا طفولتنا .. وأضاعوا منا أحلى وأجمل الأيام وما زالوا يعبثون بنا .. حتى ونحن شباب ..!

انتهيت أنا .. ووسادتي تعبت من سردٍ أسود .. وكاد الفراش أن يصرخ ..: كفي عن الحديث .. حتى ذلك المصباح أرغمني على السكوت .. كل شيء يسكتني إلا ذاكرتي !



هذه حكاية من حكايا هذه المدونة ..
أنا من لُقبت بالوحشة .. !
وما عاد يلزمني هذا اللقب .. حمداً لله معاناتي أقرب إلى الانتهاء .. عادت ابتسامتي وعادت لي عادة تقطيع الجزر .. بعد دهرٍ من المعاناة ..
بتول

ليست هناك تعليقات: