الخميس، 16 فبراير 2012

حكاية 14 فبراير (4) : 16 فبراير .. بوابة الخميس الدامي !


حكاية 14 فبراير (4)
16 فبراير ..  بوابة الخميس الدامي !
اليوم : الأربعاء
التاريخ : 16 فبراير 2011
الوقت : 4:00 عصراً
المكان : دوار اللؤلؤة
في هذا اليوم بالتحديد عشت تفاصيلاً من نوعٍ آخر .. كان للحرية طعم غريب , لم أحدده إلا عند الفجر ! الساعة الرابعة عصراً تقترب لذا توجهتُ للدوار  ولا أذكر مع من توجهت .. ربما صديقتي ! لا لا تذكرت .. ذهبت وحيدة هذا اليوم !
وصلت .. لم أتوجه إلى حشيشه الأخضر بل اتجهت إلى جهة المركز الإعلامي , كنتُ أناظر الخيام المنصوبة من بعيد وأبحث عنها .. اضطررت للبحث عنها لمدة ربع ساعة ربما أو أقل فوجدتها .. نعم وجدتها ! كان باستقبالي عدد من الشباب عند المدخل , سألوني عن اسمي للتأكد من وجوده , بعدها أخبرني أحدهم بضرورة تحديد مهامي .. مالذي أستطيع فعله , وبعد أن حددت لنفسي تلك المهام .. بدأت  بتنفذيها ..
الطاولة مزدحمة جداً, والمكان صغير .. لذا فضلتُ الجلوس على الأرض وعند نخلة المركز الإعلامي بالتحديد ..  جلستُ لدقائق لأنجز مهامي بهدوء , فإذا بأحدهم يناديني ويطلب مني التوجه للطاولة رافضاً أن أجلس على الأرض , ومعه شخص آخر .. لفت انتباهي ..
لوهلة عدتُ إلى هناك .. إلى أدق التفاصيل وأجملها .. جمعينا شباب في مقتبل عمرنا ومن الطائفتين باختلاف ألوانهما السياسية .. لم نسأل بعضنا البعض من أنت ومن أي طائفة ؟ ومع أي جمعية سياسية ؟  كان همنا الوحيد هذا الوطن .. الأجواء عندنا هناك كانت ترقب وانتظار وقلق وتأمل .. أشبه بغرفة انتظار العمليات ! هناك .. تعلمتُ بأن حركة الحرف حين نخطأ في وضعها تساوي الرصاصة .. جمعينا كنا نتحدى الطائفية .. أعلنا قطع علاقتنا بأي وسيط حرفي أو لغوي قد يلسع ثورتنا ويشوه جمالها بغير قصد ..
عودة لهذا الزميل الذي طلب مني التوجه للطاولة , توجهت و وضعت جهازي لأكمل أعمالي .. وإذا بهاتفي يرن والمتصلة صديقتي - ورغم أنها تدرس الطب ولا علاقة لها بالإعلام - وجدتها فرصة لتتعرف على هذا العالم في الدوار ,فطلبت منها المجيء إلى هنا للتسجيل .. جاءت وبدأنا العمل سوياً ( الأجوااااء كانت جميلة جداً جداً  ) !
غابت الشمس وأطل القمر .. كم كان الدوار سعيداً حينها بأطيب شعب يسكنه ! دخل وقت الصلاة وانصرفنا من المركزالإعلامي إلى حشيشه لأداء صلاة المغرب انتهينا منها وعدنا لنكمل عملنا .. لم أشعر بالوقت ولم أشعر بالفوضى .. على يميني يجلس صحافي أجنبي وعلى يساري زملاء المركز هناك ..
انتبهتُ لساعتي وإذا  بها 11:5 دقائق  مساءًا ,  تلقيتُ حينها اتصال من والدتي أخبرتها بأنني سأعود للمنزل صباحاً برفقة جارتنا فأذنت لي بذلك .. لكن !
عند الساعة الواحدة والنصف فجراً شعرتُ بضيق غريب .. أغلقتُ جهازي و بقيتُ أتأمل وجوه زملائي .. فقررت أن أنصرف إلى المنزل وأعود عند الصباح .. سألتهم إن كانوا يحتاجون مني شيئاً ما قبل أن أذهب ,جمعيهم قالوا لا وشكروني  , فوقفت عند مدخل المركز .. كان هناك شيء ما يمنعني من الانصراف !
فجر 17 فبراير 2011 .. الخميس الدامي !
في طريق العودة إلى المنزل رافقتني صديقتي وشقيقتها .. عدتُ وإذا بشقيقي الصغير يحمل مع صديقه وسادة وفراش .. سألته إلى أين؟ فأجاب إلى الدوار .. انتبهتُ إلى الوسادة لأكتشف أنها وسادتي الصغيرة المفضلة ! ناظرني مبتسماً ووعدني بالاهتمام بها !

دخلت البيت لأتابع القنوات الإخبارية وبجانبي جهازي .. كانت الساعة تقترب إلى الثانية والنصف فجراً ..
دقائق وإذا بهاتف والدتي يرن , دخلتُ غرفتها وإذا بالمتصل شقيقي يطلب منها فتح باب المنزل  للشباب  فقد هجموا على الدوار !
عدتُ سريعاً للفيسبوك وإذا بالخبر ينتشر  .. لم أستطع كتابة شيء .. فأحدهم يصرخ في الشارع .. خرجنا سريعاً وإذا بجارتنا تصرخ بأعلى صوت " هجموا على الدوار أولادنا ماتوا !" كنا نسمع أصوات الطلق بوضوح شديد لقرب الدوار لمنطقتنا .. لحظات وإذا بمجموعة كبيرة من الشباب يركضون في أزقة القرية .. كانت جارتنا هذه تطلب من أهالي القرية فتح بيوتهم .. خرجنا إلى الشارع جميعاً نطلب من الشباب الدخول إلى منازلنا .. كان بعضهم يبكي بصوت مرتفع .. أحدهم كان يقول " قتلوا الشباب .. واجد شباب نايمين ما قعدوا " والآخر يقول " غدروا فينا " وغيرهما يصرخ بأعلى صوت " جهال ونسوان هذلين وين بروحون " !
حاولت الاتصال بزملائي في المركز الإعلامي كون الخيمة الإعلامية تقع أسفل  الجسر مباشرة .. لا جواب !!
اقتحمت قوات الشغب القرية وأشرقت الشمس بحزنها و لوعتها .. انتشرت رائحة الدم وهجرت الأفراح قلب كل بحراني .. سقط الشهداء وتناثرت أحلامهم .. نزفت آمال الجرحى وبكت عيون الأمهات آهات وأحزان .. صراخ وتكسير وصفارات انذار و أوجاع وهناك على حشيش الدوار بقت ذكرياتنا المنصوبة في كل بقعة .. وأظن بأن اللؤلؤة وقفت حائرة أمام هذا الفجر الدامي ! توقظ من ؟وتحتضن من؟ وتضمد جراح من ؟وتخفف آلام من ؟وتمسح دموع من ؟!
حصل موقف أمامي عند الساعة السابعة صباحاً حين جاءت إحدى الأمهات إلى منزلنا لابنها الذي لا يتجاوز الرابعة عشر من عمره وضمته إلى صدرها وهي تجهش بالبكاء وتقول " ما خفت عليك يا ولدي بس خفت على باقي الشباب الي ماتوا والي انجرحوا .. أشم ريحتهم فيك " !
كان خميساً دامياً كما سمته صحيفة الوسط .. لازلت أحتفظ بالكثير من تفاصيله .. سأعود لأسردها لكم .. فقد اكتشفت بأن ذلك الشاب الذي لفت انتباهي بطريقة كلامه في المركز الإعلامي هو نفسه الشهيد محمود أبو تاكي الذي كان يجلس معي على نفس الطاولة !
في خاطري  ألف حكاية وفي عيوني ألف دمعة .. أذكر آخر لحظاتي هناك .. قلتُ لزملائي " تصبحون على خير سأعود لكم عند الصباح الباكر .. هذا وعد مني "
لم أفِ بوعدي لهم , ولم أشاركهم نزف الجراح .. أذكر وجه محمود وصديقه .. أذكرهما جيداً كانا لا يفترقان طوال هذه العشر الساعات .. أذكر صوته وكلامه وأذكر أنه شاب مثلي يحمل على ظهره ألف حلم وأمنية ..ليهديها الوطن .. الوطن يا عالم يا ناس .. الوطن !
تصبحون على فجر 17 فبراير 2012 لا يشبه فجر مجزرة 17 فبراير 2011 ..
تصبحون على جمعة لا تشبه ذلك الخميس !
16 فبراير 2012 – الخميس
11:23 مساءًا

ملاحظة : هذه الصورة التقطتها بدوار اللؤلؤة مساء الأربعاء الموافق 16 فبراير 2011 .

الاثنين، 13 فبراير 2012

14 فبراير .. كل عامٍ و شعب اللؤلؤ حُر !


14 فبراير .. كل عامٍ و شعب اللؤلؤ حُر !
نحن شعب أعزل مسالم .. ينهض سريعاً في كل صباح .. لا يتناول المربى ولا قطع الجبن ولا حتى قهوته المرة .. ينتظره الشارع ليتأمل وجوه المارين من الغرب والشرق .. يخترق نظره العالم الآخر لهم .. لِمَ يتجاهلونه ويبحثون عن قضية أخرى يتناولونها مع قهوتهم الصباحية؟؟!
ينتفضون لأجل قطة اختنقت في مخزن أحدهم أو لأجل كلبٍ دُهس بغير قصدٍ من أحدهم .. يدافعون عن حقوق الحيوان ؟ ويتبنون قضايا الإنسان في الغابات .. يجددون العهد مع مغامرات علي بابا والأربعين حرامي ويتنافسون في كشف هوية ماوكلي .. ينشدون أغنية سنان .. ويعتبرون زورو رمزاً للعدالة .. يجسدون في أفلامهم الإنسان ويطالبون بحقوقه  .. يتفاخرون بدميقراطيتهم .. وعندما يأتي الحديث عن أصغر الجزر و أعظمها يصمتون وإن تحدثوا قالوا " عودوا لجارتها السعودية !"
لا حكاية ولا تاريخ بعد الآن يشبهها .. حكايتها لم تبدأ في 14 فبراير فقط ولن تنته في 14 فبراير .. ستسمر .. هكذا ستضمن أنها ستحصل على الحرية المنشودة وإن تطلب ذلك الموت لها ..
جهاتها الأربع ( الشهادة ) .. قراها ( صمود) .. مبانيها ( ثبات ) آلامها ( آمال ) أحزانها ( أفراح ) .. والقمع فيها حب وعشق وتعلق بالرصاص !
هكذا تحتفل بعيد الحب .. و لذا أقول لمن سيحتفل به عند الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل " تذكر عروس اسمها بحرين .. قلبت كل معادلات الحب فصار الحب أن تُهدي حياتكَ لمن تُحب وأنت مبتسم " !
هي أهدتنا أنفسنا فلِم لا نهديها ما تريد ؟؟
لا حب بعد اليوم إلا للوطن ولا وطن بعد اليوم إلا للحب ..
كل عام و أنتم أحرار يا شعب اللؤلؤ والمحار ..
13 فبراير 2012
11:14 مساءًا

السبت، 4 فبراير 2012

حكاية 14 فبراير (3) : في الدوار ( كسرنا أول قيدٍ من قيود العبودية )!


حكاية 14 فبراير ( 3 )  ..
في الدوار ( كسرنا أول قيدٍ من قيود العبودية  )!

لم أشعر بمن هم حولي .. كنتُ أناظر نصب اللؤلؤة وقلبي يبكي بصمت .. لا أعلم ما السر .. كانت ابتسامتي جامدة لكنها تحمل ألف سؤال .. وفي عيوني لاحت لي ذكريات الطفولة .. التفتُ للخلف .. للحديقة المقابلة لدوار اللؤلؤة .. هنا كنتُ ألعب على الأرجوحة .. يدفعني والدي للأمام بقوة  فأطير في السماء .. والتفتُ للأمام قليلاً فرأيتُ نفسي طفلة صغيرة يصطحبني والدي في شهر رمضان قبل الأذان لمثل هذ الموقع لنسمع معاً مدفع الإفطار ونعود...
أنا في وسط دوار اللؤلؤة ( ميدان الشهداء ) .. في اللحظات الأولى .. معي شقيقاتي الأربع وبنات العم و جارتنا .. التقينا بعد دقائق من وصول المسيرة إلى الدوار, .. نجلس بجانب نصب اللؤلؤة .. في حلقة دائرية .. لم يكن الدوار ممتلئاً بالناس بعد .. نرى كل الوجوه بدقة .. نميز الصغير من الكبير .. تدق قلوبنا بنبضاتٍ متساوية !



الميدان !
جلسنا على حشيش الدوار الأخضر و كنا نتحدثُ عن أجواء ميدان التحرير في مصر .. فقد كانت هذه الأجواء شبيهة بأجواء مصر . رن هاتفي , فكان المتصل والدتي .. سألتني : " أين أنتِ الآن؟ " , أجبتها : " في الميدان ! " , فضحكتُ وضحكت أمي ومن يجلس معي ..  نعم قلتُ الميدان متأثرةً بمشاهد ثورة تونس ومصر !
لحظات وإذا برجلٍ يأتينا بأكياس من الخبز( الروتي )  وقطع الجبن والمربى ويطلبُ منا توزيعه بعد لفه على الحشود في الدوار .. أووه قلتُ الحشود ! .. نعم بدأ الدوار حينها يمتلئ بالناس !
عملية لف الخبز مع الجبن والمربى على حشيش الدوار الأخضر سهلة و ممتعة .. انتهينا منها وقمتُ مع ابنة عمي بتوزيعه على الجالسين هناك , و بعد وقتٍ قصير وبعد اتصالاتٍ عديدة وصلنَّ صديقاتي , فافترقت عن شقيقاتي وذهبتُ معهنَّ , ولأننا نعشق المغامرات أخذنا جولة حول الدوار ..


 .. وإذا بنفس الرجل يطلب منا كتابة بعض العبارات على أوراق ذات حجمٍ كبير , لم أشاركهنَّ الكتابة فكنتُ مشغولة بتصوير الناس واللؤلؤة حينها ..
غابت الشمس ودخل وقت الأذان .. أنذهب للبيت ؟؟  لا , قررنا جميعاً أن نصلي هناك .. كان الجو بارداً , والحشيش مبللاً بالماء , تصرفت جارتنا في تهيئة المكان للصلاة , وعدتنا بجلب خيمتها و مستلزمات التخييم ..
أن تصلي على بقعة من بقاع وطنك سَتُروى بعد يومٍ بدماء شبابها فهذا شرف وفخر .. وأن ترفع يديك للدعاء في هذه البقعة قبل يوم من الهجوم عليكَ وعلى حريتكَ فهذا أمر عظيم .. وأن تشعر بأنكَ تخلصت من أول قيدٍ من قيود العبودية و الذل ذلك فهذه بدايتكَ للبحث والحصول على الحرية التي تريدها  !
منصة الدوار !
انتهينا من الصلاة وانتهى الشباب من تجهيز منصة الدوار المتواضعة , وجاءت جارتنا بالخيمة ونصبتها .. كان شكل الخيام الصغيرة في الدوار جميلاً جداً .. بدأت الشعارات ترتفع والناس تتفاعل والجو يزداد برودة .. أُلقيت خطابات عديدة حينها ..وتم الإعلان عن اللجان المقرر تفعليها في الميدان بدءًا من صباح اليوم التالي .. ومن أحب أن يشارك في إحداها يمكنه التسجيل الآن خلف نصب اللؤلؤة .. استأذنت شقيقتي في الذهاب إلى هناك لأختار اللجنة الإعلامية .. ذهبت وإذا بوجوه عديدة لا أعرفها .. اجتمعنا خلف اللؤلؤة ولفوضى المكان اقترح أحدنا النزول لأسفل النصب وعقد الاجتماع هناك .. إنها المرة الأولى التي أرى فيها نصب اللؤلؤة شامخاً .. تأخرنا كثيراً .. كنتُ أناظر ساعتي كانت تقترب للحادية عشر ليلاً .. سجلتُ البيانات المطلوبة , وطلبوا مني الحضور في اليوم التالي عند الساعة الرابعة عصراً لبدء العمل .. وانصرفتُ بعدها أبحثُ عن شقيقتي لأكتشف بأنها غادرت الدوار ..
مر الليل سريعاً .. مر بعد أن استقر الشعب على أرض الدوار .. قرر البعض المبيت فيما قررتُ أنا العودة إلى المنزل عند الساعة الواحدة والنصف فجراً برفقة إحدى قريباتي ..
كنا نسير في الشارع الطويل المؤدي للدوار .. أتذكرونه ؟! فقد أوقفت سيارتها في الساحة المقابلة لمجمع الدانة .. قبل أن أركب السيارة ناظرتُ نصب اللؤلؤة من بعيد و قلتُ له " سأعود لكَ غداً لنرسم مستقبل الوطن .. تصبح على خير " !

سأتوقف عند حدود الميدان بقرب قريتي ,فالجو مازال بارداً والقمر ساهراً والسماء مازالت صافية ومازال محمود أبو تاكي وعلي المؤمن والحاج علي خضير والحاج عيسى عبد الحسن مازالوا على قيد الحياة .... سأعود لأسرد لكم تفاصيل يوم 16 فبراير ..
يا أجمل وألطف شعب ..
استعدوا لاعتصام الغد بساحة المقشع ( ساحة اللؤلؤ الحر )
فأنا قد جهزتُ قلبي وروحي ورسمتُ طريق الميدان في ذاكراتي ..
استعدوا جميعاً  :)
تصبحون على خير

ملاحظة :
هذه الصور التقطها في يوم 15 فبراير 2011 ( اللحظات الأولى في الدوار ) .
أما الصورة الأخيرة فالتقطها مساء اليوم الجمعة  3يناير 2012 في ساحة المقشع بعد إعلان الجمعيات السياسية عن الاعتصام المقرر غداً .

3 يناير 2012  - الجمعة
الساعة 11:37  مساءًا

الخميس، 2 فبراير 2012

حكاية 14 فبراير (2) : الطريق إلى ( دوار اللؤلؤة ) !


حكاية 14 فبراير ( 2)
الطريق إلى ( دوار اللؤلؤة ) !

مساء الرابع عشر من فبراير :
" استشهاد الشاب علي مشيمع من قرية الديه " هكذا تناقلت القنوات الإخبارية خبر أول الشهداء .. كان الحدث  كالصاعقة على الجميع  .. لم يستوعبه أحد .. و سرعان ما عادت بي ذاكرتي إلى حديثي مع شقيقي قبل أسبوع من هذا اليوم الغريب. فهذه هي البداية .. والصدمة الأولى التي  جاءت سريعاً لتُشعل النار في كل قلب وبيت .. مر الليل بأحزانه ضيفاً ثقيلاً علينا , وأطلت الشمس عند الصباح مُتعبة لا تكاد تضيء دربنا من شدة تعبها .. كانت تبكي تُشاركنا وجعنا الأول .و انتفضت الشوارع ,  ذهبتُ إلى تشييعه وأظن بأن الشعب خرج وقرر ألا يعود إلى دياره  ..
دعوني أتوقف هنا .. أريد أن أعترف بأمرٍ ما , ولم لا أكون صريحة  مع نفسي ومعكم في أصعب الأوقات وأشدها ضيقاً على الوطن .. كنتُ أسير في الطرقات يومها وأنا في شدة وقمة صدمتي .. أفكر في القادم .. أذكر خواطر الناس ليلتها .. كانوا يكتبون بدموعهم على صفحات الفيسبوك .. لم أشاركهم بعد .. فقد هجرتُ صفحتي منذ أشهر طويلة جداً , ولم أفكر في العودة لها إلا بعد 14 فبراير  بساعات, و صرتُ ألجأ إليها  باستمرار ..
لا بد أن أذكر هذه الحادثة .. وصلتني دعوة من صديقتي للانضمام لصفحة ثورة 14 فبراير قبل هذا التاريخ بفترة .. تجاهلتها ساخرةً من تفاصيلها !ولكني سرعان ما لجأت لها في الساعات الأخيرة من يوم 14 فبراير ..
عودة للتشييع ..
الساعة 8:30 صباحاً من عمر يوم 15 فبراير الموافق يوم الثلثاء ...
بدت وجوه الناس من حولي غاضبة , حزينة , مهمومة , مصدومة , ومتفائلة أيضاً - وهذا ما يميز الشعب البحراني .. تراه في قمة حزنه مبتسم يتحدى الصعاب - الهتافات تنوعت بين الحماسية والحزينة جداً .. فعندما يهتف المشيعون " بالروح بالدم نفديك يا شهيد " تكاد تسقط السماء على الأرض ,ويموج البحر , وتسقط النخيل ,وتحرق الشمس أخضر الوطن ويابسه .. وعندما يهتفون " يمه ذكريني من تمر زفة شباب " تبكي وتنوح أنتَ والسماء والأرض وكل من عليها, يتقطع قلبك , تتساقط دموعك  لتحرقك , و تكويك , تخرج روحك من بدنك ألف ألف مرة .. فكيف لا وأنت تتخيل هذا الشاب عريساً بين أهله ورفاق دربه .. وجنازته محمولة أمامك !
كنتُ برفقة  " سامية " ابنة عمتي .. التقينا عند شارع طشان وذهبنا سوياً نسير في طرقات جدحفص وصولاً إلى المقبرة .. ولأن الجميع كان مصدوماً لم يكن هناك كلام .. الكل كان يعاتب هذا الوطن , و يبحث في تفاصيله  عن أعذاره .. لا يجدُ عذراً مقبولاً يخفف من شدة الصدمات أو الأوجاع !
عند الساعة العاشرة صباحاً و في منتصف الطريق وبجانب أحد الكراجات جاءني اتصال من ابنة خالتي تقول فيه " سقط شهيد جديد .. يدعى فاضل المتروك " ! توقفتُ مصدومة .. تساقط هذا الوطن من عيني قطعة قطعة .. حلماً حلما .. أملاً أملا ! تأكدنا من الخبر .. فغرقنا في بحر متلاطم من الأحداث .. وصلنا عند المقبرة و  دخل وقت الأذان فتم تأجيل مراسم دفن الشهيد علي مشيمع , فاتفقنا أن نعود إلى منازلنا .. عدتُ بمفردي إلى القرية .. أعد الأحلام المتناثرة على أرصفة الشوارع ..
وصلت المنزل .. أديتُ صلاتي وإذا بشقيقاتي سيتوجهنّ للتشييع من جديد , قررتُ الذهاب معهنّ , وبينما كنتُ مشغولة بارتداء عباءتي وإذا بي أقرأ خبر تعليق عضوية نواب جمعية الوفاق على الفيسبوك عند الساعة 12:30 مساءًا. صرختُ بصوتٍ مرتفع أقرأ الخبر , فتجمد الجميع و قالت شقيقتي الكبرى "هذه مجرد بداية لأحداث أقسى مما كنا نتوقع"! الكل كان يشجع موقف الوفاق ويرى بأنها ساندت الشعب و وقفت إلى جانبه في ذلك اليوم .. وأنا منهم .
المهم خرجتُ معهنّ إلى التشييع والتقيتُ هناك بصديقتي ولاء , قمنا بعجن أحلامنا معاً على الرصيف المقابل لمعجنات آدم .. عجناها وشعرنا بأنها ما عادت تليق بنا , فتركناها جانباً .. تركناها لنتأمل جنازة الشهيد مشيمع ونفكر في جنازة المتروك !
انتهت مراسم الدفن .. وكان الجو حزيناً جداً جداً .. تفرقت الجماهير بانكسار وألم . عدنا إلى المنزل .. لم يكن هناك أحد منا يضحك أو يبتسم ..وكانت أحاديثنا تدور حول الأمس 14 فبراير واليوم 15 وغداً 16 .. وما بعدهم من أيام !




لا أذكر الوقت جيداً .. ربما كانت الساعة تشير إلى 2:20 ظهراً ..
جهزت والدتي الغداء .. لم يجتمع أحد حول المائدة سوى الصغار .. وإذا بخبر المسيرة المتجهة لدوار اللؤلؤة يصلني من شقيقي .. خرج هو ولحقنا به أنا وشقيقتي الوسطى  وبنات عمي وابنة خالتي ..
وصلنا عند مجمع الدانة .. وكان عدد الجماهير بسيط .. تقدمنا المسيرة المتجهة لدوار اللؤلؤة وكانت ترافقنا صحافية أجنبية مع مصورها .
وصلنا الدوار .. وصلنا الدوار ..
لا أستطيع وصف الأجواء .. كانت مفعمة بالحرية , بالحب , بالثبات , بالصمود , بالأمل , بالأمان , ووووووووووووووووووو بالكثير ..
لم أشارك في الهتافات .. فقط كنتُ أتأمل اللؤلؤة و وجوه الناس من حولي .. هذا يضحك وذاك يحلم ويتمنى أن يعيش في وطنٍ يحترمه كمواطن !
دوار اللؤلؤة :
شعرتُ به أولاً كموطنٍ صغير لا يرفض أحد ولا يسخر من أحلام أحد , ولا يستصغر أحد , ضمنا جميعاً بلا استثناء !
سأتوقف عند الساعة 3:22 مساءًا من عمر أول ساعة في دوار اللؤلؤة من يوم 15 فبراير الموافق يوم الثلثاء  .. لأعود وأسرد تفاصيل ما بعد هذه الساعة حتى منتصف الليل ...

1 فبراير 2012 الموافق يوم الأربعاء
11:59 مساءًا  

ملاحظة : هذه الصور التقطها في يوم 15 فبراير2011  ( اللحظات الأولى في الدوار ) .