الخميس، 16 فبراير 2012

حكاية 14 فبراير (4) : 16 فبراير .. بوابة الخميس الدامي !


حكاية 14 فبراير (4)
16 فبراير ..  بوابة الخميس الدامي !
اليوم : الأربعاء
التاريخ : 16 فبراير 2011
الوقت : 4:00 عصراً
المكان : دوار اللؤلؤة
في هذا اليوم بالتحديد عشت تفاصيلاً من نوعٍ آخر .. كان للحرية طعم غريب , لم أحدده إلا عند الفجر ! الساعة الرابعة عصراً تقترب لذا توجهتُ للدوار  ولا أذكر مع من توجهت .. ربما صديقتي ! لا لا تذكرت .. ذهبت وحيدة هذا اليوم !
وصلت .. لم أتوجه إلى حشيشه الأخضر بل اتجهت إلى جهة المركز الإعلامي , كنتُ أناظر الخيام المنصوبة من بعيد وأبحث عنها .. اضطررت للبحث عنها لمدة ربع ساعة ربما أو أقل فوجدتها .. نعم وجدتها ! كان باستقبالي عدد من الشباب عند المدخل , سألوني عن اسمي للتأكد من وجوده , بعدها أخبرني أحدهم بضرورة تحديد مهامي .. مالذي أستطيع فعله , وبعد أن حددت لنفسي تلك المهام .. بدأت  بتنفذيها ..
الطاولة مزدحمة جداً, والمكان صغير .. لذا فضلتُ الجلوس على الأرض وعند نخلة المركز الإعلامي بالتحديد ..  جلستُ لدقائق لأنجز مهامي بهدوء , فإذا بأحدهم يناديني ويطلب مني التوجه للطاولة رافضاً أن أجلس على الأرض , ومعه شخص آخر .. لفت انتباهي ..
لوهلة عدتُ إلى هناك .. إلى أدق التفاصيل وأجملها .. جمعينا شباب في مقتبل عمرنا ومن الطائفتين باختلاف ألوانهما السياسية .. لم نسأل بعضنا البعض من أنت ومن أي طائفة ؟ ومع أي جمعية سياسية ؟  كان همنا الوحيد هذا الوطن .. الأجواء عندنا هناك كانت ترقب وانتظار وقلق وتأمل .. أشبه بغرفة انتظار العمليات ! هناك .. تعلمتُ بأن حركة الحرف حين نخطأ في وضعها تساوي الرصاصة .. جمعينا كنا نتحدى الطائفية .. أعلنا قطع علاقتنا بأي وسيط حرفي أو لغوي قد يلسع ثورتنا ويشوه جمالها بغير قصد ..
عودة لهذا الزميل الذي طلب مني التوجه للطاولة , توجهت و وضعت جهازي لأكمل أعمالي .. وإذا بهاتفي يرن والمتصلة صديقتي - ورغم أنها تدرس الطب ولا علاقة لها بالإعلام - وجدتها فرصة لتتعرف على هذا العالم في الدوار ,فطلبت منها المجيء إلى هنا للتسجيل .. جاءت وبدأنا العمل سوياً ( الأجوااااء كانت جميلة جداً جداً  ) !
غابت الشمس وأطل القمر .. كم كان الدوار سعيداً حينها بأطيب شعب يسكنه ! دخل وقت الصلاة وانصرفنا من المركزالإعلامي إلى حشيشه لأداء صلاة المغرب انتهينا منها وعدنا لنكمل عملنا .. لم أشعر بالوقت ولم أشعر بالفوضى .. على يميني يجلس صحافي أجنبي وعلى يساري زملاء المركز هناك ..
انتبهتُ لساعتي وإذا  بها 11:5 دقائق  مساءًا ,  تلقيتُ حينها اتصال من والدتي أخبرتها بأنني سأعود للمنزل صباحاً برفقة جارتنا فأذنت لي بذلك .. لكن !
عند الساعة الواحدة والنصف فجراً شعرتُ بضيق غريب .. أغلقتُ جهازي و بقيتُ أتأمل وجوه زملائي .. فقررت أن أنصرف إلى المنزل وأعود عند الصباح .. سألتهم إن كانوا يحتاجون مني شيئاً ما قبل أن أذهب ,جمعيهم قالوا لا وشكروني  , فوقفت عند مدخل المركز .. كان هناك شيء ما يمنعني من الانصراف !
فجر 17 فبراير 2011 .. الخميس الدامي !
في طريق العودة إلى المنزل رافقتني صديقتي وشقيقتها .. عدتُ وإذا بشقيقي الصغير يحمل مع صديقه وسادة وفراش .. سألته إلى أين؟ فأجاب إلى الدوار .. انتبهتُ إلى الوسادة لأكتشف أنها وسادتي الصغيرة المفضلة ! ناظرني مبتسماً ووعدني بالاهتمام بها !

دخلت البيت لأتابع القنوات الإخبارية وبجانبي جهازي .. كانت الساعة تقترب إلى الثانية والنصف فجراً ..
دقائق وإذا بهاتف والدتي يرن , دخلتُ غرفتها وإذا بالمتصل شقيقي يطلب منها فتح باب المنزل  للشباب  فقد هجموا على الدوار !
عدتُ سريعاً للفيسبوك وإذا بالخبر ينتشر  .. لم أستطع كتابة شيء .. فأحدهم يصرخ في الشارع .. خرجنا سريعاً وإذا بجارتنا تصرخ بأعلى صوت " هجموا على الدوار أولادنا ماتوا !" كنا نسمع أصوات الطلق بوضوح شديد لقرب الدوار لمنطقتنا .. لحظات وإذا بمجموعة كبيرة من الشباب يركضون في أزقة القرية .. كانت جارتنا هذه تطلب من أهالي القرية فتح بيوتهم .. خرجنا إلى الشارع جميعاً نطلب من الشباب الدخول إلى منازلنا .. كان بعضهم يبكي بصوت مرتفع .. أحدهم كان يقول " قتلوا الشباب .. واجد شباب نايمين ما قعدوا " والآخر يقول " غدروا فينا " وغيرهما يصرخ بأعلى صوت " جهال ونسوان هذلين وين بروحون " !
حاولت الاتصال بزملائي في المركز الإعلامي كون الخيمة الإعلامية تقع أسفل  الجسر مباشرة .. لا جواب !!
اقتحمت قوات الشغب القرية وأشرقت الشمس بحزنها و لوعتها .. انتشرت رائحة الدم وهجرت الأفراح قلب كل بحراني .. سقط الشهداء وتناثرت أحلامهم .. نزفت آمال الجرحى وبكت عيون الأمهات آهات وأحزان .. صراخ وتكسير وصفارات انذار و أوجاع وهناك على حشيش الدوار بقت ذكرياتنا المنصوبة في كل بقعة .. وأظن بأن اللؤلؤة وقفت حائرة أمام هذا الفجر الدامي ! توقظ من ؟وتحتضن من؟ وتضمد جراح من ؟وتخفف آلام من ؟وتمسح دموع من ؟!
حصل موقف أمامي عند الساعة السابعة صباحاً حين جاءت إحدى الأمهات إلى منزلنا لابنها الذي لا يتجاوز الرابعة عشر من عمره وضمته إلى صدرها وهي تجهش بالبكاء وتقول " ما خفت عليك يا ولدي بس خفت على باقي الشباب الي ماتوا والي انجرحوا .. أشم ريحتهم فيك " !
كان خميساً دامياً كما سمته صحيفة الوسط .. لازلت أحتفظ بالكثير من تفاصيله .. سأعود لأسردها لكم .. فقد اكتشفت بأن ذلك الشاب الذي لفت انتباهي بطريقة كلامه في المركز الإعلامي هو نفسه الشهيد محمود أبو تاكي الذي كان يجلس معي على نفس الطاولة !
في خاطري  ألف حكاية وفي عيوني ألف دمعة .. أذكر آخر لحظاتي هناك .. قلتُ لزملائي " تصبحون على خير سأعود لكم عند الصباح الباكر .. هذا وعد مني "
لم أفِ بوعدي لهم , ولم أشاركهم نزف الجراح .. أذكر وجه محمود وصديقه .. أذكرهما جيداً كانا لا يفترقان طوال هذه العشر الساعات .. أذكر صوته وكلامه وأذكر أنه شاب مثلي يحمل على ظهره ألف حلم وأمنية ..ليهديها الوطن .. الوطن يا عالم يا ناس .. الوطن !
تصبحون على فجر 17 فبراير 2012 لا يشبه فجر مجزرة 17 فبراير 2011 ..
تصبحون على جمعة لا تشبه ذلك الخميس !
16 فبراير 2012 – الخميس
11:23 مساءًا

ملاحظة : هذه الصورة التقطتها بدوار اللؤلؤة مساء الأربعاء الموافق 16 فبراير 2011 .