الخميس، 2 فبراير 2012

حكاية 14 فبراير (2) : الطريق إلى ( دوار اللؤلؤة ) !


حكاية 14 فبراير ( 2)
الطريق إلى ( دوار اللؤلؤة ) !

مساء الرابع عشر من فبراير :
" استشهاد الشاب علي مشيمع من قرية الديه " هكذا تناقلت القنوات الإخبارية خبر أول الشهداء .. كان الحدث  كالصاعقة على الجميع  .. لم يستوعبه أحد .. و سرعان ما عادت بي ذاكرتي إلى حديثي مع شقيقي قبل أسبوع من هذا اليوم الغريب. فهذه هي البداية .. والصدمة الأولى التي  جاءت سريعاً لتُشعل النار في كل قلب وبيت .. مر الليل بأحزانه ضيفاً ثقيلاً علينا , وأطلت الشمس عند الصباح مُتعبة لا تكاد تضيء دربنا من شدة تعبها .. كانت تبكي تُشاركنا وجعنا الأول .و انتفضت الشوارع ,  ذهبتُ إلى تشييعه وأظن بأن الشعب خرج وقرر ألا يعود إلى دياره  ..
دعوني أتوقف هنا .. أريد أن أعترف بأمرٍ ما , ولم لا أكون صريحة  مع نفسي ومعكم في أصعب الأوقات وأشدها ضيقاً على الوطن .. كنتُ أسير في الطرقات يومها وأنا في شدة وقمة صدمتي .. أفكر في القادم .. أذكر خواطر الناس ليلتها .. كانوا يكتبون بدموعهم على صفحات الفيسبوك .. لم أشاركهم بعد .. فقد هجرتُ صفحتي منذ أشهر طويلة جداً , ولم أفكر في العودة لها إلا بعد 14 فبراير  بساعات, و صرتُ ألجأ إليها  باستمرار ..
لا بد أن أذكر هذه الحادثة .. وصلتني دعوة من صديقتي للانضمام لصفحة ثورة 14 فبراير قبل هذا التاريخ بفترة .. تجاهلتها ساخرةً من تفاصيلها !ولكني سرعان ما لجأت لها في الساعات الأخيرة من يوم 14 فبراير ..
عودة للتشييع ..
الساعة 8:30 صباحاً من عمر يوم 15 فبراير الموافق يوم الثلثاء ...
بدت وجوه الناس من حولي غاضبة , حزينة , مهمومة , مصدومة , ومتفائلة أيضاً - وهذا ما يميز الشعب البحراني .. تراه في قمة حزنه مبتسم يتحدى الصعاب - الهتافات تنوعت بين الحماسية والحزينة جداً .. فعندما يهتف المشيعون " بالروح بالدم نفديك يا شهيد " تكاد تسقط السماء على الأرض ,ويموج البحر , وتسقط النخيل ,وتحرق الشمس أخضر الوطن ويابسه .. وعندما يهتفون " يمه ذكريني من تمر زفة شباب " تبكي وتنوح أنتَ والسماء والأرض وكل من عليها, يتقطع قلبك , تتساقط دموعك  لتحرقك , و تكويك , تخرج روحك من بدنك ألف ألف مرة .. فكيف لا وأنت تتخيل هذا الشاب عريساً بين أهله ورفاق دربه .. وجنازته محمولة أمامك !
كنتُ برفقة  " سامية " ابنة عمتي .. التقينا عند شارع طشان وذهبنا سوياً نسير في طرقات جدحفص وصولاً إلى المقبرة .. ولأن الجميع كان مصدوماً لم يكن هناك كلام .. الكل كان يعاتب هذا الوطن , و يبحث في تفاصيله  عن أعذاره .. لا يجدُ عذراً مقبولاً يخفف من شدة الصدمات أو الأوجاع !
عند الساعة العاشرة صباحاً و في منتصف الطريق وبجانب أحد الكراجات جاءني اتصال من ابنة خالتي تقول فيه " سقط شهيد جديد .. يدعى فاضل المتروك " ! توقفتُ مصدومة .. تساقط هذا الوطن من عيني قطعة قطعة .. حلماً حلما .. أملاً أملا ! تأكدنا من الخبر .. فغرقنا في بحر متلاطم من الأحداث .. وصلنا عند المقبرة و  دخل وقت الأذان فتم تأجيل مراسم دفن الشهيد علي مشيمع , فاتفقنا أن نعود إلى منازلنا .. عدتُ بمفردي إلى القرية .. أعد الأحلام المتناثرة على أرصفة الشوارع ..
وصلت المنزل .. أديتُ صلاتي وإذا بشقيقاتي سيتوجهنّ للتشييع من جديد , قررتُ الذهاب معهنّ , وبينما كنتُ مشغولة بارتداء عباءتي وإذا بي أقرأ خبر تعليق عضوية نواب جمعية الوفاق على الفيسبوك عند الساعة 12:30 مساءًا. صرختُ بصوتٍ مرتفع أقرأ الخبر , فتجمد الجميع و قالت شقيقتي الكبرى "هذه مجرد بداية لأحداث أقسى مما كنا نتوقع"! الكل كان يشجع موقف الوفاق ويرى بأنها ساندت الشعب و وقفت إلى جانبه في ذلك اليوم .. وأنا منهم .
المهم خرجتُ معهنّ إلى التشييع والتقيتُ هناك بصديقتي ولاء , قمنا بعجن أحلامنا معاً على الرصيف المقابل لمعجنات آدم .. عجناها وشعرنا بأنها ما عادت تليق بنا , فتركناها جانباً .. تركناها لنتأمل جنازة الشهيد مشيمع ونفكر في جنازة المتروك !
انتهت مراسم الدفن .. وكان الجو حزيناً جداً جداً .. تفرقت الجماهير بانكسار وألم . عدنا إلى المنزل .. لم يكن هناك أحد منا يضحك أو يبتسم ..وكانت أحاديثنا تدور حول الأمس 14 فبراير واليوم 15 وغداً 16 .. وما بعدهم من أيام !




لا أذكر الوقت جيداً .. ربما كانت الساعة تشير إلى 2:20 ظهراً ..
جهزت والدتي الغداء .. لم يجتمع أحد حول المائدة سوى الصغار .. وإذا بخبر المسيرة المتجهة لدوار اللؤلؤة يصلني من شقيقي .. خرج هو ولحقنا به أنا وشقيقتي الوسطى  وبنات عمي وابنة خالتي ..
وصلنا عند مجمع الدانة .. وكان عدد الجماهير بسيط .. تقدمنا المسيرة المتجهة لدوار اللؤلؤة وكانت ترافقنا صحافية أجنبية مع مصورها .
وصلنا الدوار .. وصلنا الدوار ..
لا أستطيع وصف الأجواء .. كانت مفعمة بالحرية , بالحب , بالثبات , بالصمود , بالأمل , بالأمان , ووووووووووووووووووو بالكثير ..
لم أشارك في الهتافات .. فقط كنتُ أتأمل اللؤلؤة و وجوه الناس من حولي .. هذا يضحك وذاك يحلم ويتمنى أن يعيش في وطنٍ يحترمه كمواطن !
دوار اللؤلؤة :
شعرتُ به أولاً كموطنٍ صغير لا يرفض أحد ولا يسخر من أحلام أحد , ولا يستصغر أحد , ضمنا جميعاً بلا استثناء !
سأتوقف عند الساعة 3:22 مساءًا من عمر أول ساعة في دوار اللؤلؤة من يوم 15 فبراير الموافق يوم الثلثاء  .. لأعود وأسرد تفاصيل ما بعد هذه الساعة حتى منتصف الليل ...

1 فبراير 2012 الموافق يوم الأربعاء
11:59 مساءًا  

ملاحظة : هذه الصور التقطها في يوم 15 فبراير2011  ( اللحظات الأولى في الدوار ) .


ليست هناك تعليقات: