الجمعة، 18 ديسمبر 2009

ذاكرتي تعود إلى الوراء .. في رحلة مع ديسمبر لعام 2006م ..



ذاكرتي تعود إلى الوراء ..
في رحلة مع ديسمبر لعام 2006م ..



السابع عشر من ديسمبر لعام 2006 م
كنا في طريق العودة .. وكان الظلام قد بدأ طقوسه في أكل القمر فراحت النجوم تفرُ من هذا المنظر المفجع ..
ما أطول المسير .. اختلسنا جو الوطن الممل وقررنا جمعاً غفيراً من القرية الذهاب إلى الإحساء في رحلة جمعتنا صغار وكبار ..
مر الوقت سريعاً مملاً .. فلم نكن نشعر بشيء من السعادة ..
الساعة الثانية عشر صباحاً ..
أحد الشباب :أكثروا من الصلاة على محمد واكتشفوا من يكون صاحب هذا الصوت!
صوتُ يخرقُ مسامعنا المُتعبة .. ( خويّ يرجو إلا نسافر يا بعد أهلي ونخليك .....)
فكرنا .. من يكون !
فكان الجواب من نصيب نساء القرية الكبار ممن عايشوه وهو يصعد منبر الحسين ..
إنه الشيخ الجمري..
أحسسنا بألمٍ حاد في صدورنا .. نعشقه لكننا لم نحفظ بعد نبرة صوته .. يكفي أنه ضحى بكل شيء من أجلنا ..
رفعت إحدى النساء صوته قائلة : صلوا على محمد وآله وادعوا له بالشفاء العاجل..
هدأنا .. وعُدنا بذاكرتنا ضحايا لأيام الأحداث ..

الثامن عشر من ديسمبر لعام 2006م ..
كانت الحُمى تسيطرُ على نشاطي لذلك لم أتحرك من فراشي أبداً منذ وصولي إلى البحرين حتى الساعة الثانية عشر مساءً ..
فتحت بابَ غُرفتي بقوة وأشعلت الضوء .. ابنة عمي .. وصرخت : بتول قومي ..
فتحتُ أيضاً جفوني المُثقلة بالحمى : خير ..
هي : قومي الجمري مات وانتين قاعدة .. راح عنا .. البحرين ضاجة ..
قمتُ ودموعي تسبقني في ذلك .. صورتهُ على جدار غرفتي .. أيعقلُ .. ربما ما زلتُ نائمة .. ربما كابوس ..
لا لا
واااااقع
خرجتُ إلى الشارع معها .. كان الجميع يرتدي السواد الجميع .. وقبل أي أحد .. ارتدت أمي البحرين هذا السواد منذ ذلك اليوم وأعلنت حدادها الدائم على الحاني عليها .. الذي رحل .. رحل مُخلفاً ورائه آهات شعبه ..
..........

الساعة السادسة مساءً ..
منزلنا هادئ .. خرج الجميع .. وأنا لوحدي عاجزة عن فعل أي شيء..
وفي قرار نفسي كنتُ أقول : غداً الامتحان الأول .. أشعر بالكسل .. لا أستطيع مراجعة الدروس مرة أخرى ..
اتصالٌ من ابنة خالتي : أسرعي .. سنذهب إلى التشييع ..
لا بد أن أذهب .. سأذهب ..
حملتُ كتابي ونزلتُ أبحثُ عن أحد يرافقني في مسيري إلى هناك .. كنتُ أعلم صعوبة الذهاب بالسيارة فالشوارع مزحومة ..
وإذا بزوجة عمي تقبل الذهابَ معي ..
مشينا وقد كان الجميع يخرج على شكل مسيرات تحمل صوره وأعلام الحزن السوداء ..
ياااه لم انعدمت الرحمة من كل شيء .. الجو ببرودته ينخرُ في عظام الجميع .. والجميع يصرخ .. لا شيء يمنعنا عن التواجد هناك ..
وصلنا إلى شارع البديع ..
ها هم من أحبوكَ يجتمعون بألمٍ على فراقك ..
ما زلتُ أتذكر جيداً صوت أهالي قرية سترة ....آل خليفة (....) افهموها !
جيش الجمري قادمون..

هكذا مر الثامن عشر من ذلك الشهر .. ومن تلك السنة ..
ببرودة الفراق وحرارة الشوق ..
أفكرُ كثيراً في تلك الأجيال التي ستضمُ الوطن وهي لا تعرفُ عنك شيء ... ستعيش ظلمة الجهل بعينه ..
في كل شهر يمضي اليوم الثامن عشر منه بقسوة على قلبي فقد فقدتُ فيه الاسم الأول لحياتي .. وها قد توافق مع يومكَ الحزين أيضاً ..
سألفظها وكلي ثقة بربي ..
أن يمر هذا العام الهجري بيوم الأول على الجميع بخير ..
باسم الحسين وعلى نهجه ..
أبا جميل تشتاقك المنابر وتحنُ إليك ذاكرة الوطن ..
ما زلتَ نبضنا الأول ..

هناك تعليق واحد:

واحة خضراء يقول...

عزفتِ بكلماتكِ على اوتار الذكرى الحزينة

وشعرتُ ان الرحيل للتو
فما سردتيه وطريقة سماعك للخبر
آلمتني واعادتني ايضاً لذلك اليوم

وخروجك بكتابك رغم الامتحان للتشييع، فما اجمل هذه القلوب الساعية لعلمائها

عظم الله اجوركم واجورنا

الفاتحة