الأربعاء، 28 أبريل 2010

اخترنا أن نلتقي ونفترق على حبها !


اخترنا أن نلتقي ونفترق على حبها !


لم يكن بوسعها أن تسمع أو تقرأ المزيد عن هذا المرض !
تركها طبيبها تنزف بعد إجراء العملية الأولى لمدة ساعة !!
أما كان عليه أن يقوم بتنبيه الممرضة المشرفة عليها ! ( تساءلت صديقتها بشيء من الغضب والألم ) ..
ما زالت عيناها تراقب وضع جهاز التنفس ..
صوتٌ مزعج !
أنين !
وترقب !
أخذت تقرأ القرآن بخشوعٍ واضح .. بكت .. صارت تخشى أن تفيق صديقة دربها وتراها تبكي وتظن حينها أنها ستموت لا محالة !

تك ..
تك .. تك ..
الساعة وحدها تُنذر بضياعٍ شيء ما !!
يا الله .. إنها صديقتي .. غاليتي .. رفيقة دربي .. خذني وأعدها للحياة .. أتوسل إليك .. فإن رحلت .. جُننت وفارقت الدنيا بعدها ..
يا زهراء .. يا زهراء .. لا تبعدينا عن بعض ..

باب الغرفة البائسة يُفتح ..
صوتٌ ملائكي هادئ : بعد إذنك .. اخرجي لدقائق حتى أقوم بالكشف على جرحها ...
شقت نفساً مخنوق وقالت : إن شاء الله ..

خرجت .. تبحث عن الطبيب المسئول .. ذهبت بخطواتٍ مُثقلة إلى ذلك الممرض الذي أعانها حين كشف لها عن آخر النتائج في وقت قصير : لو سمحت ..
أدار بنظره لها : نعم ..
أحست بالاحراج قليلاً فهي للمرة الرابعة تطلب الطلب نفسهُ : اممم .. أريد منك أن تتصل بالطبيب .. فأنا قلقة جداً على صديقتي ..
ابتسم وقال بصوتٍ يبعث الراحة : حسناً .. لا بأس .. فقط انتظري خروج الممرضة لتقوم بذلك .. فإن اتصلت أنا سينزعج الطبيب من سؤالي ..

نكست رأسها أرضاً وقالت : آسفة .. أزعجتك كثيراً ..
هو : لا بأس .. تفضلي بالجلوس هناك ..


جلست تناظر سقف المشفى .. أشبه بالفضاء الخالي ..
تساءلت : كيف باستطاعة العاملين فيها المكوث لوقتٍ طويل .. يا الله .. كل شيء فيها يخنق ..

صرخة أمٍ مفجوعة تقطعُ عليها تساؤلاتها : بني .. لا ترحل أرجوك .. عُد إلي ..

فزعت .. فقامت .. لتسقط من حضنها بقية الأوراق الخاصة بصديقتها : يا الله .. لقد فارقها ابنها الوحيد بعد حادثٍ أليم .. كيف ستتحمل فراقه ..
يا رب .. أسألك أن تمن بالشفاء والعافية على رفيقة دربي .. أرجوك يا إلهي .. أرجوك ..

الممرضة وهي تهمُ بالخروج من الغرفة البائسة : بامكانكِ الآن .. الدخول لها..
هي : أووه .. حقاً .. شكراً ..
الممرضة : عفواً ولكن يجب أن أخبركِ بأنها تعاني من نزيفٍ حاد .. وهي تحتاج لنقل دمٍ في أسرع وقت ممكن وإلا ...
هي : وإلا ماذا .. لا تكملي أرجوك .. هل بامكاني أن أجري فحصاً الآن ..
بالطبع .. تفضلي ..
ذهبت .. وقامت بالفحص ..
خرجت الممرضة بعد وقتٍ لا بأس به .. لتخبرها بأن كل شيء على ما يرام .. وستقوم بسحب الدم ونقله الآن ..
شعرت بسعادة لا توصف وقالت : ولو كان بوسعي أن أهديها روحي لما امتنعت عن فعل ذلك ..
.......

فتحت عيونها .. تسأل الممرضة عن سبب إقامتها هنا ..
قالت تلك الملاك : لا بأس عليكِ .. فقط أصبتِ بدوارٍ بعد سحب الدم .. وهذا أمر طبيعي ..
ابتسمت : الحمدلله ... كيف حالها ؟ .. أعني صديقتي ..
الممرضة : بخير .. امم .. حدثيني .. عن سر هذه العلاقة .. وكيف لكما أن تكونا بمفردكما في هذه الشدة .. ألا أهل لكما هنا ؟!
ناظرتها .. وبعد صمتٍ قاتل قالت :
الزهراء هي من جمعتنا ... بعد حادث أليم فارق على إثره أحبتنا ونحن معهم في طريق زيارة البقيع منذ أربع سنوات !
الممرضة : وكيف ذلك ؟
هي : في طريق زيارتنا للزهراء عليها السلام عند انتصاف الليل اصطدمت الحافلة التي تقلنا بشاحنة وفارق الدنيا كل من عليها إلا أنا وهي وقد كنا ضائعتين في وحل هذه الدنيا .. لا ستر ولا عفاف ولا حتى أخلاق ..
وجدنا أنفسنا بعد هذا الحادث الأليم في غرفة بيضاء خلت من أهلنا وكل منا رأت في منامها سيدتنا ومولاتنا تدلنا إلى طريق التوبة ..
...
الممرض ينادي الممرضة .. فتهم في الخروج ويقول :" لقد ماتت صديقتها بفعل انفجار خلايا المرض وانتشاره "..
الممرضة : لا تقلها أرجوك .. وماذا أقول لصديقتها ؟!
الممرض : هذا قضاء الله وقدره

......

في غرفتها ..
أحست بذات الشيء .. لفظت نفساً أخيراً وأخذت ورقة بيضاء وكتبت عليها " لأننا تبنا إلى الله مع بعض وعشنا على حبه وحبكِ دعينا نرحل لذلك العالم مع بعض .. وفي يوم رحيلكِ يا زهراء " !

أغمضت جفونها .. والتقت بروحها .. وحلقتا نحو الزهراء في يومها !



لا أعلم ما الذي دفعني لأن أكتب بهذه اللغة ..
أعلمُ بأنني مقصرة في حق مولاتي فاطمة .. فاخترت قلمي لعله يُوصلني إليها اليوم ..

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

مع كلـ حبر من فيضكـ هنا أجدكـ لقلبي أقرب .. أجدكـ تعودين أنتِ شيئا فشيئا .. أحسدني كونكِ صديقتي ..

قد لا أبعثر كلماتي هنا دائماً ولكني موجودة .. صدقيني .. فقط أعجز عن الرد..

جعلكِ الله من الآخذين بثارها .. والسائرين على دربها ..

واحة خضراء يقول...

ذكرتينا بالمسرحيات التي تعزفونها ، فتمنيتُ ان انصتُ لمثلها كتابات ؟

وسلام الله عليكِ يا ام الحسن ففيها تحتارُ الكلمات والاقلام !

جميلٌ ما خطته اناملكم

رضي صالح القطري يقول...

جميل هنا الفيض الزهرائي ،، والطرح الجميل النابع من القلب المتعطش !

دام هكذا طرح ،،

اختم بقتباسة بسيطة :

جعلكِ الله من الآخذين بثارها .. والسائرين على دربها ..