الاثنين، 8 أغسطس 2011

عذراً .. روبرت مردوخ !


عذراً.. روبرت مردوخ!
أن نتخيل كل الصباحات بلا جريدة ورقية نقرأ فيها ما لا تشتهي الأنفس من أخبار  مع كوب من القهوة الساخنة فذاك مُحال يا مردوخ .لا أعلم كيف تجرأت بتخطيكَ للحدود الحمراء لخيالكَ الواسع وأطلقت نبوءتك تلك , ودعوتها لتُجبرنا على تخيل ما لا نريد .. مردوخ يا مردوخ .. دعنا نتخيل معاً , استيقظنا صباحاً وإلى الشبكة العنكبوتية انطلقنا ,عفواً انطلقت إلينا هي .. نقرأ هذه الصحيفة " الإلكترونية " ونطالعُ تلك , وفجأة انقطعنا عن العالم لظروف خارجة عن إرادة سعادتك وحضراتنا لمدة ساعة أو أقل .ماذا ستشعر حينها ؟, لا تكذب , فجميعنا سيشعرُ بحالةٍ من الاختناق بانقطاع هذه الشبكة عنه وكأنها الماء والهواء ومخطط الحياة الذي يعيش عليه  طوال حياته ..
أيضاً يا سعادة الامبراطور,لنفرض بأن الصحف الورقية اندثرت وصرنا نزورها في أكبر متاحف العالم , ومن خلف الزجاج نلتقي , لا هي باستطاعتها أن تحتضن أصابعنا ولا باستطاعتنا أن نحتضنها كما اعتدنا ,يا ترى كيف سيكون اللقاء إذاً ؟,ولنفرض بأن الإعلام الإلكتروني تفوق وأسدل ستاره على مشهدكَ الأخير  (وداعاً يا ورق ) لكل صحيفة ورقية " عفواً تقليدية"  ماذا سيكون موقف الجماهير ؟!
كان هذا ما يجول في مخيلتي من أفكار في إحدى المحاضرات بالجامعة عندما طرحت الأستاذة نبوءة روبرت مردوخ الشهيرة للمناقشة وهي " أن الصحف الورقية في طريقها إلى  الانقراض لتترك الساحة خالية أمام التقنية الرقمية، وأن مردوخ يتنبأ بأنها  تحتاج لخمسة عشر  عام لتسقط من حسابات القراء. موضحاً " أن القارئ لن يعد في حاجة مستقبلاً إلى  الصحافة المطبوعة وسيخضع طواعية إلى  سطوة التقنية الرقمية..."

سعادة إمبراطور الإعلام .. كنا أنا وزميلة لي من أشد الرافضين والمعارضين والمستنكرين لجنابك تحت حزب " الصحيفة الورقية حياة .. وتاريخها كذلك " حتى وصلنا لأفقٍ من الخيال الشاسع نُلاحق فيه خفايا هذه النبوءة ,ليس لأننا خارج سرب التقدم والتطور التكنولوجي , بل لأننا كما وصفانا بقية الزملاء " عاطفيتان  "  وهذا الوصف يلاحق الإناث حتى في التعبير عن آراهن للأسف الشديد . فهل يا مردوخ نحن كذلك ؟! أم السر يكمنُ في ورق الجرائد وما يُصدره من أشعةٍ تمدنا بطاقة غريبة قوية تُلزمنا على القراءة والتمعن دائماً ؟! وهل كل الذين لا يقرأون إلا الورق  ينطبق عليهم هذا الوصف .. كالرجال مثلاً ؟!
وماذا عن تداعيات نبوءتك , هل سيحين ذلك اليوم الذي نلاحقُ فيه تاريخ الصحف الورقية في المتاحف , هذا إذا تكرم أحدهم وقدر تاريخها بالاحتفاظ بها !! عجبي ! فحين يصلُ  الحال بالبعض   إلى الجلوس وتناول الطعام عليها  وإهانة العاملين فيها , وتقييدهم وقطع ألسنتهم ومحاربتهم وكسر رؤوس أقلامهم,  لا أعتقد بأنه سيقدرها بمتحفٍ تاريخي يجمعُ بقاياها  فيه كما تخيلنا أنا وزميلتي .لذلك غرقنا في الضحك على أنفسنا بعد نبوءتك الساخنة يا مردوخ !
امبراطور الإعلام : أخبرني ما حالكَ وقد تناولت مانشيتات الصحف العالمية  خبر إغلاق صحيفتك بعد الفضيحة الأخيرة لها , أشعرت بما شعرنا به  والفارق كبير , أم أنك وجدت مبرراً لتفاصيل تلك الفضيحة ؟ أيها الامبراطور المقدس , البعض يخلق ألف مبرر و مبرر لإغلاق صحيفة ما بالشمع الأحمر , ولا يتردد في الحديث عن الحرية المزعومة بعد ذلك .. ويعتبر الصحافي إما رجل شرقي يصفع وجه جريدته بنقد المرأة وشتمها بوصفها جارية له أو رجل مثقف مغرور مهنتنه النقد والتحطيم  , و يعتبر الصحافية مرأة شرقية تجدُ دلالها ومتعتها في الحياة بالحديث عن الماركات العالمية والتسوق فقط ويعتقد أنها تكتب لتغيض بنات جنسها بالتعليق الدائم عليهن! .وعندما تكشف الحقيقة عن وجهها بوجود رجال ونساء صحافة من الدرجة الأولى همهم قضايا مجتمعهم .. يصاب من يعتقد ذلك بالصدمة  فيسمع العالم طبول الحرب ويبدأ مشوار الألف ميل من المعاناة فإما الحق والحقيقة وإما الكذب والتلفيق و إلا فأنت صحافي خائن .

نشر في صحيفة الوسط 7 أغسطس 2011

ليست هناك تعليقات: