الخميس، 8 ديسمبر 2011

( زينب ) الربيع العربي ..

مقالي الأخير بنشرة موكبي  الصادرة عن مجلس الموكب بمأتم السنابس :
( زينب ) الربيع العربي ..
صفحة 12 من العدد 5 لموسم محرم 1433هـ / 2011م

( زينب  ) الربيع العربي ..

الحرية !
ماذا يريد الإنسان من هذه الدنيا ؟ ولماذا عندما يأتي ظلمها و ألمها ومصائبها عند أمر ما يفخرُ ,ويعتز ,ويؤمن به لا يخشى السيوف ,ولا الرماح ,ولا خيول الأعداء , ولا يدير ظهره للبنادق و الرصاص , ولا تخيفه مدرعات الحروب ودبابات الجيوش ؟.. ولماذا عندما يصل الأمر إلى إنسانيته ,و كرامته و حريته يقف في وجه الأمواج, و العواصف متحدياً كسر القيود ,و رميها في وجوه أصحابها ؟ هذا إن قدر لهم الله أن يكونوا أحياءًا يرزقهم من رحمته ,بعد ظلمهم لبني البشر, لسنين قضت على أملهم وزادت من ألمهم . هنا يأتي دور المرأة  لتشارك نصفها الثاني ,و تكمل المشوار  إلى جانبه ,و تقوم بدورها على أكمل وجه , بلا قيدٍ و بلا قانون, فهي ليست بحاجة إلى ذلك ما دام دينها الإسلامي قد أعطاها الإشارة الخضراء في الانطلاق لساحات الجهاد .وفي ظل الربيع العربي الذي يراه عبدة الدنانير والكراسي صيفاً حاراً , يراه الحُر أجمل ربيع مر عليه منذ أن أنجبته أمه حراً  حتى صار عبداً رغماً عنه ,ولأنه شعر بأن هذا الدور لا يليق بإنسانيته المكرمة , تحرك يبحث عن مفتاح باب الربيع العربي , فوجده, و صار يتوق للحرية حتى لو كان مفتاح قيده  أغلى ما يملك (روحه ).
السبب ؟
لأن المرأة تدرك تماماً أنها لا تنجب إلا الأحرار .أبت إلا أن تشارك في هذا الربيع ,كشهيدة ,و معتقلة ,و مفصولة ,و فاقدة ,و أرملة , إلى جانب الرجل .. ظهرت صورتها الحقيقية البيضاء النقية ,تعكس شخصية زينب - عليها السلام-  في ظل عصر جاهلي ,يقطع أوصال الإنسانية ,تحت أقدام خيول الطمع والجشع  .. لطالما رددنا قصصها البطولية ,و لطالما فخرنا بأننا نسير على نهجها ,لكننا طوال هذه الفترة لم نشعر بالحرقة والألم في ساحات الجهاد مثلما شعرت .. لم نشاهد جثث أحبتنا ملقاة على الأرض تكويها الشمس , ولم ندخل على أكبر الطغاة في مجالسهم ومعتقلاتهم  مثلما دخلت .لم يشمت بنا أهل الشام ,و لم تودع الدنيا في حضننا صغيرة من صغيراتنا .. لم نحمل جثة رضيع إلى قبره , و لم نخرج من خيامنا المحروقة نبحث عن الصغار وسط الظلمة والدخان , و لم نشهد فقد شبابنا ,و شيوخنا ,و أبطالنا في ظهر يوم واحد , و لم نقف على تلة من  التلال نخطب في الناس ,و نرد على الظالمين بكل صبر وحب وإخلاص لله .و لكننا , تذوقنا ذلك خلال أشهر عسيرة , لم تلد فيها أوطاننا إلا  قلوبنا الصغيرة وهي تحب أرضها ونخلها وبحرها و عذابها وقسوة تفاصيلها .. ازددنا عشقاً لها !
زينب !
لم ترافقنا الشمس رحلة النهارات الطويلة في طرقات الشام ,و خلفنا أطفال ونساء ,و أمامنا رؤوس مقطعة على السهام مرفوعة , و لم نُدرك بعد كيف استطاعت زينب إيصال مظلومية الحسين ,و ثورته ضد الظلم بهذا الوعي وبهذه الشجاعة ,و الجرأة ,و الثقة , و بهذا الصبر اللامحدود . كنا نطلب الحرية في ميادين مفتوحة .. بعضنا مات على عشبها الأخضر ,و هو يهتف باسم وطنه ,و بعضنا صار مغيباً خلف السجون ,يتذوق طعم الشوق المُر بحثاً عن أرض لا تشبه كربلاء ,و تفاصيل لا تشبه تفاصيل ظهر العاشر من محرم , وقصص لا تشبه قصص زينب (ع) وهي تتقدم موكب السبايا من أرض إلى أرض ,و من صحراء إلى صحراء ,و من عدو إلى ظالم  .
من هي ؟
نتساءل عن زينب الإنسانة الحُرة. و ما هو قيدها الذي كسرته بصمودها الأنثوي الغريب  ؟ من هي  زينب الأبية المخلصة التي رفضت أن تترك شقيقها يذهب إلى ساحات الموت من أجل نصرة دين جده , فسارعت إلى ركبه بكل قوة ؟ من هي زينب التي استطاعت بمفردها أن تخط التاريخ بدم أخيها من جديد, وتكتب تفاصيل الحرية والأحرار  ؟ من هي زينب الشامخة كشموخ النخيل ,لا تهزها مصيبة ,و لا تحرك سعف صبرها كل ريح عاتية مصدرها العدو  أينما كان ؟ من هي زينب الحنونة الواثقة برحمة ربها ,و هي تضم يتاماها ,و تخفف من حدة وجعهم؟
كانت معنا !
لم أجد أعظم من المرأة في عصر يدعي أنه يكرمها ,و يصونها ,و يطالب  بحقوقها ,و مساواتها مع الرجل ,وهو يقتلها ويعذبها ويسجنها ! فقد  استشهدت , وضُربت , واعتقلت , وترملت , وفقدت , و فُصلت من عملها , ولكنها ما زالت مستمرة في نضالها  الزينبي .. أشعر بالفخر حين أرى عجوزاً في سن جدتي تحمل علم بلادها , وتردد شعارات الوحدة . وفي يدها أصغر أحفادها يردد خلفها تلك الشعارات ,وحين تشعر بالتعب تجلس على الأرض وترفع شعار النصر مبتسمة متفائلة .. ينحني قلبي خجلاً لها .

ويسألونك عن زينب ؟
قل هي آية من آيات العزة والشرف , حجابها صبرها , وعباءتها صمودها , وابتسامتها ثقتها بالله , و دموعها عنفوان , وكلامها سيف يقطع ألسنة الشياطين .. تعرفها الشمس ويعرفها القمر .. يبكي لحالها الشجر .. ويسقط كل طواغيت العالم  تحت أقدام خطبها في مجالسهم , ويحترق وجه القاتل والظالم بنيران صبرها .. فكلما ازدادت صبراً كلما احترق وجه الطاغوت .
عيدها :
فقد والدها .
وعيدها الثاني :
الاستعداد لفراق شقيقها .
أحزانها :
دموع  اليتامي والثكالى .
وجعها :
غربتها .
عطشها :
عطش عباسها .
دمعتها :
قطرة من دم حسينها .
مصيبتها :
فقد شبابها .
إعلامها :
قوتها .
صبرها وصمودها :
إيصال رسالتها .
رسالتها :
دين جدها .
دين جدها :
حرية , كرامة , حقوق .
هل وصلت الرسالة يا ترى ؟؟!

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

احسنتِ ولا جف قلمك =)

صادق