الأحد، 8 فبراير 2009

يتبع .. تسعينياتُ وَطني ..!


لتسعينيات وَطني خميسٌ خاص..!


كم كنت معتادة على الذهاب إلى الخباز في صباح كل خميس مع أبناء عمي التوأم كانا والشقاوة لا يفترقان ... أركب تلك السيارة الصغيرة , وهما يجراني بها إلى أن نصل .. ولكن خميس ذلك الأسبوع كان مختلفاً عن باقي الأسابيع .. تماماً .. فقريتي محصارة من كل الجهات .. إذ أن ذلك الأسبوع قد امتلأ باستشهاد العديد من أبناء القرية , فحتى منزل جدي لا نستطيع الذهاب إليه و ما يفصلنا عنه شارع واحد !!
المهم ..استيقظت في صباح يوم الخميس على صوت أبناء عمي .. بالقرب من غرفتي أنا وأختي .. فنهضت من فراشي كاللصوص .. وتسلست إلى غرفة والداي لأخذ مصروفي, كانت أمي نائمة .. وأبي قد خرج للتو لعمله .. ذهبت إليها وهمست في أذنها: .. أمي .. أريد مصروفي ..
فاستيقظت وقالت: لا تخرجي ..
أجبتها : حسنا وأنا أرسم على ثغري ابتسامة خبث .. وكأنني لم أسمع ما قالت, خرجت من غرفة أمي وأنا في قمة السعادة .. وكانا هما (أبناء عمي ).. يراقبان وضع المنزل .. لأنني وهما ندرك مصيرنا إذا رآنا أحدهم نخرج في هذا الوقت مع تأزم الوضع ..!
و بعد أن تأكدا أنه لا يوجد أحد مستيقظ , خرجنا .. فركبت السيارة الصغيرة كالمعتاد .. أتذكرها جيداً .. وردية قد أهداني اياها والدي في عيد ميلادي الأخير آنذاك .. إذ أن عمري حينها لم يتجاوز السبعة أعوام , خرجنا .. والطريق يبدو آمن . هادئ .. لا أحد فيه سوانا ... لكن الشارع الذي يفصلنا عن الخباز هو الآخر محاصر وهذا يعني أنه من المستحيل الذهاب ... فكرنا .. أنعود إلى المنزل؟ .. أم نجازف ونذهب؟ ... كنت خائفة .. لكن أبناء عمي قالا لي (ببراءة ) :نحن رجال لا تخافي سنذهب .. هيا .. ابتسمت ... وأحسست براحة .. (كم كنا أبرياء)... وصلنا واذا بهم (الشغب).. جيوش مهيأة .. المسدسات تقف متراصة في أياديهم .. عددهم كان يفوق الـ 20 شخص .. هنا احسست بأن قلبي ينبض وأجراس الموت تدق ..!!
ناظرونا بخبث في بادئ الامر .. فاقترب أحدهم إلينا وهو يبتسم وقال :( ها يبه شفيكم طالعين من الصبح ..؟ ردو بيتكم أحسن .. )
فقلت ..: نبي نشتري (الخبز جبن).. وبنرجع.. (كم كنت أحبه ساخناً)... عادت ابتسامته ترسم نفسها على وجهه البيضاوي الأسمر .. وأخذ يمسح على رأسي قائلا : لو كان الأمر بيدي .. لتركتكم تذهبون .. فقالا توأم العائلة .. : (ما بنتأخر .. تعال ويانه .. بنشتري لك .).. هههه (يعني باختصار يراشونه).. فأخذ يقهقهُ في وجوهنا .. وقال: تعالوا معي .. ذهبنا .. وكأننا انتصرنا .. الغريب في الأمر أننا أحسسنا براحة ... فالمعلوم عن الشغب أن لا رحمة ولا أثر للطيب في قلوبهم ... ذهبنا معه .. فوصلنا إلى إحدى سيارتهم الواقفة عند باب المسجد .. فأنزل هو من السيارة (دلة حليب ..كبيرة ).. مثل ما نقول ..و علب بسكويت طويل .. ويبدو عليه لذيذ ... مع كأسين .. وقال .. (فطوركم اليوم عليّ .. ما بقدر أخليكم تروحون).. اختفت ملامح الانتصار المزعومة على وجوهنا .. فتظاهرت أنا بالتعب حينها لأعود إلى المنزل لكنه أجبرني على الجلوس .. وتناول الفطور معه .. جلست .. وأكلت قطعة بسكوت .. ونهضت بسرعة .. وبقيا التوأم معه .. يأكلان ..فهم شقيان !!
وصلت المنزل وانتظرتهما عند الباب .. فقد تأخرا ...وإذا بعمي .. بوجهي يصرخ: ماذا تفعلين؟ ادخلي ..
كم كنت شقية ماكرة ..
فقلت : عمي... التوأم قد خرجا من الصباح الباكر وذهبا لتناول الفطور مع الشغب ..
ناظرني وقال .. : وما ادراكي أنهما ذهبا إلى هناك ..؟؟
((هههه)) بدأتُ أتأتأُ في الكلام .. فضحك بوجهي وقال: .. يا شقية .. سأنتظرهم حتى يعودا .. ويأخذ كل منكم درسه ..!!
كان هذا الأسبوع الأخير لنا في الخروج من الصباح الباكر يوم الخميس .. فبعدها تأزم الوضع أكثر وأكثر ..!!

هكذا كانت أسابيعنا تزخر بالضياع , بالألم .. باللوعة .. ولا أنسى تفاصيل الخميس الذي تلا خميسنا هذا .. ( اعتقال عمي بشكلٍ غريب ومفاجئ )!!


أعاننا الله على سكب المزيد ..من الذاكرة ..!!

ليست هناك تعليقات: