الثلاثاء، 21 يوليو 2009

و رحل صاحب حكايتي ...


و رحل صاحب حكايتي ...
(حكاية اليُتم بدأت )



أغلقت جفني المُتعب عند الساعة السادسة صباحاً وشردت في نومي أبحث عن أمنياتي هناك ..
عند الساعة الحادية عشر و45 دقيقة صباحاً جاءتني الحنون (أمي ) ..
بتول .. حان موعد الصلاة .. انهضي ..
ناظرتها وأغمضت جفني مرة أخر وكأني كنت أتهرب من الساعة الفاصلة بيني وبينه وبين الجميع ... رُحت ضحية الساعة الأخيرة من عُمره ..
(راح الحنون )
أيقظتني عند الساعة الثانية عشر و45 مساءً هذه الصرخات .. حسبتها من ضمن الكوابيس فتثاقلتُ في النهوض .. لكن الصرخة الثانية جاءت على قلبي أقوى!
(راح ... راح .. الحنون .. )!
رميت بفراشي والتقطت نفسي .. الصوت .. انه .. انه .. صوت جدتي .. نعم ووالدتي ...
فتحت باب القاعة بجنون .. التقطت نفساً آخر على أعتاب الدرج .. ربما أحلم ..
وربما يكاد الحلم يموت ..
لكن ..
أخذت أسرع في نزولي حتى كنت على وشك السقوط ..
عند آخر الدرج وصلت ..
فرأيت زوجة عمي تقف ويدها على رأسها ..
لم أعرها اهتمام .. ( فربما أنا ما زلت في كابوسي) ..
دخلت القاعة .. ومن خلف الجدران كنت أسمع صوتها ( أعني جدتي ) ..
تصرخ ... ( راح الحنون ) ..
أخذت أصرخ بجنون: .. كفي عن كلامكِ هذا .. وعدني بالعودة وسيعود ..
جاءتني زوجة العم الراحل ..
أبعدتها .. وأخذت الهاتف .. اتصلت على عمي .. فلم يجبني ..
اتصلت بأختي هي كذلك لم تجبني ..
اتصلت بوالدتي وبعد عناء ردت وكنت على أمل سماع صوته :
لم يمت؟! صحيح ..؟!

مات .. مات .. مات ...
أمي ... أرجوكِ دعيني أسمع صوته .. دعيني ..
ماااااااااااات ..
وانتهى كل شيء !

تذكرت الصلاة ... توضأت ... لبست الحرام ووقفت أمام ربي أناجيه .. اشتد ألمي فسقطت على الأرض .. لكني قاومت الألم .. فنهضت .. نهضت أنتظر عودة الأمل في حياتي ..
تذكرتُ وجهه بالأمس .. كان بصحة جيدة .. لكنه تهرب كثيراً مني .. لم تناظرني عينه .. وكلما تأملت فيها دمعت ..
تذكرت كثرة دخولي عليه .. رددتها كثيرا ( مع السلامة )!
رددتها كثيراً حتى إن أختي الكبرى تعجبت لذلك ..
وكلما أردت الخروج من تلك المقبرة الصغيرة المجهزة بأجهزة الموت عدت لألتقط صورته ..
خرجت بعدها من تلك الغرفة واحتضنت ألمي عليه .. وبكيت كثيراً في ذلك الممر ..
كان الجميع يردد عليّ : لمَ البكاء .. الوالد بصحة أفضل اليوم !

عودة لألم اليوم الأخير ..
18 – 7 – 2009
السبت
الموافق 25 من شهر رجب ( وفاة الإمام الكاظم (ع))
وقفت عند الباب .. كنت أنتظر عودته ..
أبي أنا أقف في انتظارك ..
فما رأيت سوى يتاماه من بنات العائلة وشبابها يدخلون المنزل والأسود التعيس يلوح عل رؤوسهم ..
الأهل .. الجيران .. وأهل القرية .. اجتمعوا وأنا ما زلت عند عهده .. (سيعود )
دخلت ابنة عمي وأنا ما زلتُ واقفة عند الباب .. وما إن سمعت بكائها حتى صرخت بوجهها ..
كفى لمَ البكاء .. والدي لم يرحل .. كفـــــــى!
لم أزل في صدمتي ..
عدت إلى سجادة صلاتي ووقفت أمام ربي ..
فإذا بصوت الحنون أمي ..
ركضت مسرعة .. كانت تجلس عند باب القاعة وصوت بكائها يقطع أوصال أملي بعودته ..
احتضنتها .. أمي .. والدي لم يمت .. لم يمت .. أجيبيني ..
احتضنتني .. مات .. راح الحنون .. راح من كان يحبكِ ويخشى عليكِ من كل شيء .. راح ..
أمي .. مريم .. جدتي .. لمَ هذا الكلام ..
والدي لم يمت .. لم يمت .. التقطتُ النفس الأخير بين أحضان أمي .. وأخذت بجنازة أمل عودته ألوذ بنفسي ..
حتى حان موعد رؤيته ..
الساعة الرابعة عصراً في المقبرة ..

رأيتُ وجهه لآخر مرة في حياتي ..
كان أبيض .. حيانا بابتسامة خفيفة وكأنه أراد أن يقول .. الراحة بين رحمة ربي ..
قبلته على جبينه المعصب بقطعة من الكفن .. انتظرت رد هذه القبلة .. انتظرت مد يده الحنونة .. انتظرت صوته .. انتظرت نظرات الحنان والحب منه ..
للمرة الأولى لا أجد ما انتظر منه ..
أمنته الزهراء وآل البيت .. وخرجت بين المودعين له في انتظار خروج الجنازة .. خرجت مكسورة الخاطر ..

يا روحي وحياتي وأملي .. يا اسمي ومعناي يا هوايّ يا نبضي يا عمري يا كياني أنت ..
يفصلني عنك عُمرٌ بيد الرحيم ..
يفصلني عنك حدود الموت ..
يفصلني شوق أهديتني إياه ..
وتفصلني السماء عنك ..
لم أتقن بعد دور اليتيمة .. وربما لا أستطيع إتقان هذا الدور البطولي الكبير الذي لطالما سمعتُ عنه .. ولكن لقضاء الله وقدره حكمة في ذلك ..
رغم الدموع الساخنة .. ورغم الألم .. ورغم حرارة الشوق والبعد ورغم قسوة الموقف .. ورغم كل الذكريات ..
ما زلت معي .. روحك لم تفارقني لحظة واحدة ..
أنا بتولك .. تلك التي لا معنى لها بدونك ..
عهداً مني أن أكمل الدرب برفقة روحك ..
تغمدك الله في جنانه يا أيها الحنون ..
الكل يذكرك بالخير والطيب من الكلام فيأخذ بدموعي إلى شفتاي وهناك أزرع ابتسامة في وسط صحراء الشوق الممتدة ..
أحبك .. أحبك .. أحبك ..
أشتاقُ إليكَ كثيراً
وبين رحمة الله أنثر شوقي وألملم ألمي على فراقك ..
في أمان الله وملائكته .. يا والدي .. يا صاحب حكايتي ..

هناك 4 تعليقات:

واحة خضراء يقول...

أبكتني حُروفك .. فما انتهيت من قراءته حتى رفعت رأسي لئلا تسقط دموعي .. لكنها هيهات .. تذكرتُ بحروفكِ اجواء تلك السنة التي استيقظت فيها على فراق الوالد رحمه الله .. رغم اني حاولتُ كتمان الشعور .. الا اننا نشاركُكِ الألـم .. الفُراق ..

وكأن روح الحبيب كانت تشعُر بحرارة قبلة الوداع ..


مأجورين

عبق الزهور يقول...

لطالما كانت حروفكِ تسلبني من عالمي حيث عالمك..
وكثيراً ما تمنيت أن انخرط في دهاليزها حتى الأسود منها .. كـ عادتي أتلهف عندما يعتلي اسمك متصفحي.. وألتهم حروفك دفعة واحدة ..
ولكن ذلك اليوم صفعني ..
ًفشدة لهفتي لجمال قلمكِ أجبرتني تخيل الأجمل .. تخيل تلك البسمة والزغاريد لعودته المنزل .. تخيل دموع الفرح..

ولكن ما قرأته أدمااني ..
جعله الله آخر الحزن عزيزتي ..
اعلمي أن هناك قلوب تضج بالأنين لحزنك ..
قلوب لا تنساه ولا تنساكِ أبداً من الدعاء..

أتمنى أن يكون الفرح خليلكِ.. والخير حليفكِ

مع كل الحب

i!i Masoor88 i!i يقول...

..
عظم الله أجرش اختي
و الله يجلعها خاتمة الاحزان

سليلة زينب يقول...

كلماتك تنثر الحزن الماً وتدمع العين لما نزفتيه هذه الأحرف من الجراحات والأنين اختي الغالية فذهب من دار الفناء الى دار البقاء وجعله الله مع محمد وآل محمد لا بد ان يتألم الإنسان لرحيل الحبيب ولكن هناك من ينتظره هو الله عز وجل يشتاق الى عباده المؤمنين هنيئاً له بتلك اليوم في استشهاد الإمام موسى الكاظم عليه السلام وفي شهر رجب وتلك رحمة من الله عليه رحمه الله وجعله في جنات النعيم وحشره مع محمد وآل محمد ..

اختاه تذكري دوماً بأنه لم يرحل عنكم انظري الى رحمة الله تعالى يجعل روحه ترفرف بينكم وينظر اليكم ويدعو اليكم بصالح الدعاء والثبات وانتم ايضاَ لا تنسونه من صالح الدعاء رحمه الله..

عزيزتي لا بد ان الم الفراق امراً شاقاً ومراً ايضاً وتذوقين طعم الألم والحزن تعزي بعزاء الله فكلما ترين نفسك ذلك فاذكر سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام عندما فقدت نبي الأمة محمد (ص ) واذكري ايضاً أم المصائب زينب عليها السلام فإن كل المصائب تهون الا مصائب أهل البيت عليهم السلام فذكرريهم وادعي له بالرحمة والمغفرة وصلي له صلاة الوالدين ..

وإن الله غفور رحيم بعباده ..

هم السابقون ونحن الاحقوون ..

رحمه الله رحمة الأبرار ونور الله قبره بنور محمد وآل محمد ..

فداء لزينب