الاثنين، 14 سبتمبر 2009

لا شيء يشبهُ طفولتي !


لا شيء يشبهُ طفولتي !


لست تلك الإنسانة التي كانت تجتاح منافذ الأحزان لتعبر الفرح بطرقه المختلفة .. سئمت كلامي بحبر الأوجاع .. سئمت الحياة بوجهها الأسود .. سئمت اسمي يجرُ اسمه ولا أجده ..
أشتاق إلى شوارع القرية في ظهيرة كل يوم طفولي مر في حياتي .. أشتاق إلى صديقاتي ( علياء .. زهراء .. حوراء .. وبنات الخالة .. ( أشتاقُ إلى دقائقي مع صديقة العمر ورفيقة الدرب والأحلام ..ولائي .. ولا أستطيع تصور بُعدكِ عني .. لكنه الطموح يقفُ بوجهي كعادته)..
أشتاق إلى جنوننا هناك .. في دائرة الطفولة المغلقة .. أشتاق إلى كل شيء كان يحوي أيامنا .. إلى تلك الساحة التي ما كنا نفارقها حتى وقت الصلاة .. أشتاق لنظرة الحب من قلوبهم ..

أبحث بشوق عن شيء ما يشبهني تماماً وأنا أخطو خطواتي الأولى في الحياة ..
صرخاتنا في ذلك ( الزرنوق ) الذي لطالما لمنا بضحكنا .. بلعبنا .. ( الصيدة .. ليلى والذئب ) ومواسم الشتاء التي كنا نتخيلُ فيها أننا الأميرات فنأخذ بفساتيننا ندور وندور حتى يلاعبنا المطر وتداعبنا الرياح الخفيفة .. كنا بفارغ الصبر ننتظر جمال الشتاء يطلُ علينا ( قوس قزح ) فنختار ما نشاء من الألوان ..
حميدة : الأحمر لي ..
تقية : دعي الأزرق لي ..
أنا : الوردي ..
زينب : لا لا بتول الوردي لي ..
زهراء : بل لي ..
( الطفولة الوردية الحالمة .. شيء ما كان يدفعنا نحو الوردي حينها .. رُبما أملنا في حياة وردية !)
وفي حرارة الصيف شيء ما يختلفُ تماماً لكنه يشبهنا حينها ..
حرارة الشمس تشبه تلك الحرارة التي في قلوبنا نحو الأمل .. ورطوبته لا تختلف كثيراً عن درجاته المتفاوتة التي قلما تقلل من عرق جبيننا ونحن نجوب القرية من العصر حتى آخر أنفاس المساء ..
يا لبراءتنا الحالمة ..
نتفق عند المساء على اليوم التالي ..
بنات الخالة لي : مرينا باجر الساعة 11 ونص بروح المسجد ..
أي وبمر على علياء وزهراء قبل ..
يا لغبائي المبطن ببراءتي حينها .. فالمسجد يقرب منزلي بمسافة شارع ضيق يتوسط القرية ومنازلهم تبعدُ بمسافة شارعين تقريباً عن المسجد .. لكنني كنت أستمتع بمروري عليهم .. وهكذا عند خروجنا من المسجد أوصلهم لمنازلهم وأعود فتتلقاني والدتي عند الباب ..

تعبثُ بي تلك الذكريات كثيراً .. وكلما جلستُ معهم تذكرنا فغرقنا في الضحك حتى ارتسمت الدموع في بؤبؤ كل منا ..
ربما لو كنا قبل سنين من الآن نعلم بخفايا الحياة لرسمناها على ورق طفولتنا المنصرفة ولاستطعنا تفادي كل الأوجاع والآلام ..
فمن يصدق أننا لم نعد نرى بعضنا كما كنا ..
ربما الظروف .. وربما الحياة بوجهها الثاني .. وربما قدرنا المحتوم في ذلك ..
يراودني إحساس خانق في هذه اللحظة وأنا أكتب ..
فبالأمس طال حديثي مع الأهل والأقارب عن المدارس والاستعداد لها .. مما دفع ذاكرتي للعودة للوراء .. لتلك الأيام التي كنتُ فيها أجلس في حضنه وهو يتسامر في الليل مع جمعٍ من رفاقه وأصحابه الذين كلما رأيتهم الآن احمر وجهي خجلاً منهم .. نعم .. كنتُ مدللته الصغيرة ..
أريد هذا .. وهذا .. وهذا .. لا لا بل كل شيء حتى لو لم يكن يلزمني ..
كان يقولها والابتسامة تشقُ محياه ( اخذي الا تبين وروحي نامي ) ..
جنون الطفولة .. ما إن اسمع كلامه حتى أدخل تلك البرادة التي ما كانت تخلو من أغراض المدرسة .. واجتاحها بجنون وألم ما أريد منها حتى يأتيني ( رسول ) الهندي العامل هناك ويعييني في حمل الأغراض : بتول ليش ياخذ كل هذا .. مو زين انتي نفر واحد وبتروحين روضة مو مدرسة .. رجعيه ..
مو كيفك .. خل الأغراض في جيس وابويي احين بجي يدفع ..
أحمل الكيس معي وأهرع مسرعة إليه : ابويي اشتريت كل هذلين .. ارجعهم ..
لا بتولي .. يا الله روحي نامي ..
لا لا بقعد وياكم شوي ..
( كنتُ دائماً ما أجلس معه ومع رفاقه وأستمع لحديثهم الذي كان يستمر لساعات طوال ونادراً ما كنت أغط في نومي فيعود بي والدي محمولة على كتفه .. وفي كل صباح أذهب فيه إلى الروضة التي لا تبعد عن منزلنا شيء متأخرة ..
فكان كل تقرير يصدر من معلمتي يقول : تتأخر دائماً وهي الأقرب من بين زميلاتها إلى الروضة !
ها قد كبرتُ الآن يا والدي .. وحنانك ودلالك لم ينقطع عني بعد ..
أتذكر في آخر فصلٍ دراسي انصرف مؤخراً ..
كنت في انتظار السيارة مع صديقة الدراسة ولاء .. كم كنا متعبتين ليوم شاق حمل فعالية في المدرسة كانت على عاتقنا ولم يسمح لنا الوقت حينها حتى لشرب الماء .. فخرجنا وكل منا تحلم بشيء بارد يُشرب ..
ولاء : خاطري في بيبسي بااااااااااارد ..
أنا : من أوصل البيت يعني اذا لقيت البرادة فاتحة على طول بشتري ..
ولاء : بس للأسف بنوصل متأخرين والكل صاك ..
أنا : أي .. بس صدق خاطري ..
بالفعل عدتُ من المدرسة وكان والدي مع جدتي وإخوتي في انتظار وجبة الغداء التي كانت تعدها والدتي حينها ..
والدي لي : بتولي ..صلي وتعالي تغدي ويانه ..
أنا : امم امبي بيبسي بارد والبرادة بندت .. بس ما امبي آكل شي بصلي وبقعد اكتب واجباتي ..
والدي : أفا بتول .. روحي صلي وتعالي ..
ركبت غرفتي للصلاة وأتممتها ونزلت لهم ..
فكان ينتظرني على وجبة الغداء والبيبسي يتوسط المائدة !
أخي الصغير : أي يدلعونها .. رايحين ليش البرادة البعيدة .. بس لا تصدقين عمرش واجد ..
أنا : من حرتك يا الدليع ..
كان والدي حينها يشق ابتسامته الحنونة .. ويزاول مزاحه مع أشقائي ..

قد يبدو لكم هذا الموقف لا يستحق أن يُذكر .. لكنه بالنسبة لي يستحق لما يحمل من عظمة شخصية والدي الحنون ..
أنا لم أعد أقوى كثيراً على كسر الخواطر ولا على الجراح الخفيفة ولا على كلمات الآخرين التي قد لا تقصد إيذائي في شيء .. لكن قلبي مُتعب .. والذكرياتُ تلاحقه من كل حدبٍ وصوب ..
أصبحت أرددها في ذاتي في كل وقت أخلو فيه مع دموعي ( يا ليته لم يدللني في شيء ) فربما كان فراقه أقل قسوة من وضعي هذا الذي أصبحتُ أبكي بسببه على كل شيء وبدون أسباب تُذكر..
عهداً أقطعه على نفسي .. وعلى حكايتي .. أن أغير لون الحبر الحزين هذا ..
فربما أستطيع تخطي كل العوائق التي أمرُ بها .. سأحاول أن أغير تراكيب لغتي البسيطة نحو الأمل قليلاً ونحو الله كثيراً .. لعلي أجدُ ضالتي من بقايا دنيتي هذه!

ليست هناك تعليقات: